التمهيد:
القرآن الكريم هو كلام الله تعالى أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، ليكون للعالمين نذيرا، وهذه الحقيقة قد صرّح بها القرآن الكريم، في مثل قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ النمل: ٦ ، وقوله تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَهُ قُرْءَنًا عَرَبِيَّا يوسف: ٢.وصرّح بها صاحب الرسالة، ومبلغ القرآن الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في مثل قوله: «ما مِنَ الأَنْبِياءِ نَبِيٌّ إِلَّا أَعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عليه البَشَرُ ، وإِنَّما كانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَومَ القِيامَةِ» البخاري.وهذا القدر من الأدلة الشرعية كاف في حق من آمن بالله تعالى ربا ، وبمحمد بن عبد الله رسولا، وبالإسلام دينا، أن يعرف مصدر القرآن الكريم، وأنه من الله تعالى؛ إذ الإيمان الصحيح يقتضي أن يصدق المؤمن الرسول الله في كل ما يخبر به، وقد أخبر أن هذا الكتاب من عند الله تعالى.
التعريف بالقرآن الكريم :القرآن لغةً من قرأ والقرء وهو الجمع، وسمي القرآن قرآنا لأنه جمع السور والآيات وضمها، وجمع العلوم والحكم.
القرآن الكريم اصطلاحًا: هو كلام الله المنزل على نبيه
«محمد» المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، من أول سورة (الفاتحة) إلى آخر سورة ( الناس ) .
للقرآن الكريم أسماء منها:
أسماء القرآن الكريم :
. القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتى هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَيِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحَتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ سورة الإسراء ٩.٢.
الكتاب، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا). سورة الكهف١.٣.
الفُرقان، قال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عبده لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) سورة الفرقان ١.٤.
الذِّكر، قال تعالى: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَك أَنزَلْنَةً أَفَأَنتُمْ لَهُ, مُنكِرُونَ﴾. سورة الأنبياء ٥٠.ه التَّنزيل، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ سورة الشعراء ۱۹۲-۱۹۳.
هذه أشهر أسماء القرآن الكريم، وما عَدَّه بعض العلماء أسماءً للقرآن، فهي في الحقيقة صفات له، وليست أسماء.
مقاصد نزول القرآن :
أ. هداية الناس:نزل القرآن الكريم لهداية الناس إلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم ، وتمتاز هذه الهداية عن غيرها بأنها عامة، وتامة، وواضحة.أما عمومها فلأنّها شملت الثقلين الإنس والجنَّ في كل زمان ومكان. قال تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ .. الأنعام ١٩.والمعنى: أنَّ الله تعالى قد أنزل عليَّ هذا القرآن بواسطة وحيه؛ لأنذركم به يا أهل مكة، ولأنذر به جميع من بلغه هذا القرآن.وأما تمامها فلأنّها تضمنت أمورًا يحتاج الناس إليها في عقائدهم، وأخلاقهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، ولأنّها نظّمت علاقة الفرد بربه، وبنفسه، وبالكون الذي يعيش فيه، ووفقت بين مطالب الروح والجسد.وأما وضوحها فلأنّها عرضت الموضوعات والقضايا عَرْضًا رائعًا مؤثرًا، يجمع بين الإيضاح والإقناع
.ب الإعجاز:القرآن معجزة خالدة تشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عن ربه.والدليل على إعجازه : أنَّ الله تحدى العرب أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة واحدة من مثله، فعجزواوإذا كان العرب وهم أرباب الفصاحة والبلاغة قد عجزوا فغيرهم أشدُّ عجزًا، قال تعالى: ﴿قُل لئن اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنَّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ ظَهِيرًا). الإسراء : ۸۸.
ج. التعبد بتلاوته:يجب على المسلم أن يُكثر من تلاوة القرآن؛ لأنَّ هذه التلاوة ترفع درجاته، وتمحو سيئاته، وتهذب أخلاقه، وتشرح صدره.قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَبَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلوةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْتَهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَرَةً لَّن تَبُورَ . سورة فاطر ٢٩.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعِشر أَمْثَالُها ، لا أَقُولُ أَلم حَرْفٌ، ولكن ألفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ… أخرجه الترمذي.
أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن الكريم
طريق معرفته يُعرف أوَّلُ ما نزل وآخر ما نزل من القرآن بالنقل عن الصَّحابة الذين شاهدوا نزول الوحي، وعرفوا من النبي صلى الله عليه وسلم أوّل ما نزل وآخر ما نزل، ثم أخبرونا به.قال ابن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأعلم فيم نزلت ؟ ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه».أوَّلُ ما نزل من القرآن:اتفق الجمهور على أن أوّل ما نزل من القرآن الكريم بإطلاق صدر سورة العلق، إلى قوله جل شأنه: عَلَّمَ الْإِنسَنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ سورة العلق .. والدليل على ذلك: ما روي عن عائشة أمالمؤمنين أنها قالت: «أوَّلُ ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنَّث » أي: يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع أي: يعود إلى أهله، ويتزود لذلك،ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: ما أنا بقارئ، قال فأخذني فَغَطَّني أي: ضمَّنى حتى بلغ مني الجَهْدَ ثُمَّ أرسلني، فقال: اقرأ، قلتُ: ما أنا بقارئ فأخذني فغَطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ،فقلتُ: مـا أنـا بقارئ، فأخذني فغَطَّني الثالثة ثمَّ أرسلني، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ سورة العلق من ١ الى ٥. الحديث.
آخر ما نزل من القرآن
الصَّحيح أنَّ آخر ما نزل من القرآن على الإطلاق هو قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) البقرة ۲۸۱ فقد نزلت هذه الآية قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال فقط، أمَّا قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا المائدة ٣. فقد نزلت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من شهرين، في حَجَّة الوداع، يوم عرفة، في السنة العاشرة للهجرة.